سورة آل عمران - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبّ الشَّهَوَاتِ} جمع شهوة وهي ما تدعو النفس إليه {مِنَ النِّسَاءِ}.
بدأ بهن لأنهن حبائل الشيطان {وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ} جمع قنطار واختلفوا فيه فقال الربيع بن أنس: القنطار المال الكثير بعضه على بعض، وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه: القنطار ألف ومائتا أوقية وقال ابن عباس رضي الله عنهما والضحاك ألف ومائتا مثقال. وعنهما رواية أخرى اثنا عشر ألف درهم وألف دينار دية أحدكم، وعن الحسن القنطار دية أحدكم، وقال سعيد بن جبير وعكرمة: هو مائة ألف ومائة مَنٍّ ومائة رطل ومائة مثقال ومائة درهم، ولقد جاء الإسلام يوم جاء وبمكة مائة رجل قد قنطروا، وقال سعيد بن المسيب وقتادة: ثمانون ألفا، وقال مجاهد سبعون ألفا، وعن السدي قال: أربعة آلاف مثقال، وقال الحكم: القنطار ما بين السماء والأرض من مال، وقال أبو نضرة: ملء مسك ثور ذهبا أو فضة.
وسمي قنطارا من الإحكام، يقال: قنطرت الشيء إذا أحكمته، ومنه سميت القنطرة.
قوله تعالى: {الْمُقَنْطَرَةِ} قال الضحاك: المحصنة المحكمة، وقال قتادة: هي الكثيرة المنضدة بعضها فوق بعض وقال يمان: المدفونة وقال السدي المضروبة المنقوشة حتى صارت دراهم ودنانير، وقال الفراء المضعفة، فالقناطير ثلاثة والمقنطرة تسعة {مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ} وقيل سمي الذهب ذهبا لأنه يذهب ولا يبقى، والفضة لأنها تنفضُّ أي تتفرق {وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ} الخيل جمع لا واحد له من لفظه واحدها فرس، كالقوم والنساء ونحوهما، المسومة قال مجاهد: هي المطهمة الحسان، وقال عكرمة: تسويمها حسنها، وقال سعيد بن جبير: هي الراعية، يقال: أسام الخيل وسوَّمها قال الحسن وأبو عبيدة: هي المعلمة من السيماء والسيماء العلامة، ثم منهم من قال: سيماها الشبه واللون وهو قول قتادة وقيل: الكي.
{وَالأنْعَامِ} جمع النعم، وهي الإبل والبقر والغنم جمع لا واحد له من لفظه {وَالْحَرْثِ} يعني الزرع {ذَلِكَ} الذي ذكرنا {مَتَاع الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} يشير إلى أنها متاع يفنى {وَاللَّه عِنْدَه حُسْن الْمَآبِ} أي المرجع، فيه تزهيد في الدنيا وترغيب في الآخرة.


قوله تعالى: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْد َرَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ} قرأه العامة بكسر الراء، وروى أبو بكر عن عاصم بضم الراء، وهما لغتان كالعُدوان والعِدوان.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنا محمد بن يوسف، أنا محمد بن إسماعيل، أنا يحيى بن سليمان، حدثني ابن وهب، حدثني مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله تبارك وتعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير كله في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون وما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك؟ فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا».
قوله تعالى: {وَاللَّه بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}.
{الَّذِينَ يَقُولُونَ} إن شئت جعلت محل الذين خفضًا ردًا على قوله: {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا} وإن شئت جعلته رفعا على الابتداء، ويحتمل أن يكون نصبا تقديره أعني الذين يقولون {رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا} صدقنا {فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا} استرها علينا وتجاوز عنا {وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.
{الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ} إن شئت نصبتها على المدح، وإن شئت خفضتها على النعت، يعني الصابرين في أداء الأمر وعن ارتكاب النهي، وعلى البأساء والضراء وحين البأس، والصادقين في إيمانهم، قال قتادة: هم قوم صدقت نياتهم واستقامت قلوبهم وألسنتهم فصدقوا في السر والعلانية {وَالْقَانِتِينَ} المطيعين المصلين {وَالْمُنْفِقِينَ} أموالهم في طاعة الله {وَالْمُسْتَغْفِرِين َبِالأسْحَارِ} قال مجاهد وقتادة والكلبي: يعني المصلين بالأسحار وعن زيد بن أسلم أنه قال: هم الذين يصلون الصبح في الجماعة، وقيل بالسَّحَر لقربه من الصبُح وقال الحسن: مدوا الصلاة إلى السحر ثم استغفروا، وقال نافع كان ابن عمر رضي الله عنه يحيي الليل ثم يقول: يا نافع أسْحَرْنا؟ فأقول لا فيعاود الصلاة فإذا قلت: نعم قعد يستغفر الله ويدعو حتى يصبح.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أبو محمد بن الحسن بن أحمد المخلدي، حدثنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج، أنا قتيبة بن سعيد أنا يعقوب بن عبد الرحمن، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ينزل الله إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل فيقول: أنا الملك أنا الملك، من ذا الذي يدعوني فأستجيب له؟ من ذا الذي يسألني فأعطيه؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له».
وحكي عن الحسن أن لقمان قال لابنه: يا بني لا تكن أعجز من هذا الديك يصوِّت من الأسحار وأنت نائم على فراشك.


قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّه أَنَّه لا إِلَهَ إِلا هُوَ} قيل: نزلت هذه الآية في نصارى نجران. وقال الكلبي: قدم حبران من أحبار الشام على النبي صلى الله عليه وسلم فلما أبصرا المدينة قال: أحدهما لصاحبه ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبي صلى الله عليه وسلم الذي يخرج في آخر الزمان؟ فلما دخلا عليه عرفاه بالصفة، فقالا له: أنت محمد، قال: نعم، قالا له: وأنت أحمد؟ قال: «أنا محمد وأحمد» قالا له: فإنا نسألك عن شيء فإن أخبرتنا به آمنا بك وصدقناك، فقال اسألا فقالا أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله عز وجل، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فأسلم الرجلان.
قوله: {شَهِدَ اللَّهُ} أي بين الله لأن الشهادة تبين، وقال مجاهد: حكم الله وقيل: علم الله وقيل: أعلم الله أنه لا إله إلا هو.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: خلق الله الأرواح قبل الأجساد بأربعة آلاف سنة، وخلق الأرزاق قبل الأرواح بأربعة آلاف سنة، فشهد بنفسه لنفسه قبل أن خلق الخلق حين كان ولم تكن سماء ولا أرض ولا بر ولا بحر فقال: {شَهِدَ اللَّه أَنَّه لا إِلَهَ إِلا هُوَ}.
وقوله: {وَالْمَلائِكَةُ} أي وشهدت الملائكة قيل: معنى شهادة الله الإخبار والإعلام، ومعنى شهادة الملائكة والمؤمنين الإقرار. قوله تعالى: {وَأُولُو الْعِلْمِ} يعني الأنبياء عليهم السلام.
وقال ابن كيسان يعني: المهاجرين والأنصار وقال مقاتل: علماء مؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه. قال السدي والكلبي: يعني جميع علماء المؤمنين. {قَائِمًا بِالْقِسْطِ} أي بالعدل. ونظم هذه الآية شهد الله قائمًا بالقسط، نصب على الحال، وقيل: نصب على القطع، ومعنى قوله: {قَائِمًا بِالْقِسْطِ} أي قائما بتدبير الخلق كما يقال: فلان قائم بأمر فلان، أي مدبر له ومتعهد لأسبابه، وقائم بحق فلان أي مجاز له فالله جل جلاله مدبر رازق مجاز بالأعمال. {لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيز الْحَكِيمُ}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8